اما قاتل أو مقتول
د. محمد الشمالي
إما قاتل أو مقتول.
أعتقدعن قناعة راسخة بان أي ديكتاتوري مهما كان ذكيا وفهلويا ومخضرما في عالم السياسية لا يمكنه أن يمسك خيطا من خيوط الحكمة ليهتدي به للخروج الى الضوء و بر الأمان إذا ما وجد نفسه في يوم من الأيام أسير نفق مظلم كالذي يجد به نفسه اليوم الرئيس السوري بشار الأسد.
بدأت حياة الأسد في عالمه السديمي منذ اغتصابه للدستور(الإبن الوحيد للشعب) في وضح النهار وعلى جبل قاسيون. كان المشهد مقززا وترك عند السوريين حتى المنحطين منهم شعورا بالذل وبالقهر وغضبا وثورة دفنوها تحت رماد سميك من الخوف. كيف يهتدي الأسد للطريق الصواب وهو الذي دخل حياة السوريين من أضيق الأبواب ومن أكثرها إذلالا لهم و احتقارا لقيمة العدالة التي هي من أهم الصفات الأنسانية التي يجب أن يتحلى بها رئيس الدولة؟
الحقيقة، حاجز نفسي كبير هذا الذي أقامه بشار بينه وبين شعبه منذ خطوته الأولى في الحياة السياسية . كانت دخلتة تعيسة . تماما كدخلة العروس القليلة البخت بالرجل اليسرى إلى بيت عريسها .
كيف كان ينظر بشار إلى هذا الشعب السوري الذي ورثه بحكم الظرف عن أبيه ؟ إلى أي حد كان يحترمه ويتفاعل معه عاطفيا وروحيا؟ هل كان يرى فيه أمة ناضجة كأمم أوروبا أوصاحب حضارة كالتي تتغنى بها كلمات البارودي ”حماة الديار”؟ أم أنه ينظر إليه بفوقية ويرمقه بطرف عينه استعلاءً كما تنظر الست إلى الجارية؟ الشىء الوحيد الذي يمكنني جزمه هو : لوكان الفريق أول بشار يملك أدنى شعور بالإحترام نحو شعبه لما استوطى حيطه واغتصب دستوره ومؤسساته وذله على مرأى ومسمع الكون. لقد تعود بشار أن يري السوريين يطبلون ويزمرون لكل بيعة عار لأبيه. لقد اعتاد على رؤيتهم مهمشين مسحوقين مروعين وخانعين تحت ضربات السياط.
اضف إلى ذلك ، أن لكل طاغية ومستبد جنون عظمته الخاصة؛ في حالتنا السورية عندنا طالب مدرسة الللاييك بشار،عندنا المظلي بشار ، عندنا الطبيب الأخصائي بشار، والفريق أول بشار ،و القائد العام للجيش والقوات المسلحة بشار، والأمين العام لحزب البعث بشار،و رئيس الجمهورية العربية السورية بشار … أي وسام وأي منصب ينقصنا هنا لصنع شخصية ميغالومانية مريضة بتخمة السلطة وبداء النرجسية ؟ شخصية تتعالى حتى على نفسها وأقرانها من رؤساء العالم ، فكيف لا تتعالى على مواطن عادي علكته الأيام وأوهنته الحاجة ؟ أهناك أفضل من هذا التحليل و هذه المقاربات النفسية والشخصية لتفسير الأسباب التي كانت تدفع بالرئيس الأسد لإطلاق العنان لضحكاته الهستيرية البلهاء عندما يواجهه صحفي ما بسؤال حول امكانية انتفاض الشعب السوري ضده؟
كيف يمكننا أن نتصور أن يتراجع رئيس بهذه النفسية أمام شارع سوري عفوي وأما معارضة كانت بالأمس تتسول أمام أبواب مؤسساته واداراته ؟ أو منسية في متاهات الغربة والنفي منذ عشرات السنين ؟ أين كان شباب وشابات المعارضة السورية الفقيرة عندما كان مستر بشار وميسيز اسماء يتسوقون أو ويتنزهون اليد في اليد في الشانزيليزيه أو في بلاظ الأمراء والملوك الأوروبيين؟
هذا العامل النفسي يبدو من القوة لدرجة أنه حتى لو تغيرت موازين القوى في أية ساعة من الساعات لصالح هذا العدو البلدي والذي يسمى الثورة وحتى ولو أصبح الثوار على مشارف قصره فإن الرئيس بشار ،غنوجة الغرب، لن يشك ولو للحظة واحدة في مقدرته على النصر بالنهاية. معطيات هذه المعادلة النفسية الرهيبة هي نفسها التي قادت بالأمس معمر القذافي برجليه ويديه إلى نهايته الفظيعة. فلطالما المواجهة هي مع جرذان الوطن فالهزيمة لن تكون إلاّ من نصيب هذه الجرذان. أمر عجيب ! ولكن إلى ماوراء هذا العامل النفسي يمكننا رصد حقائق أخرى لايمكن تجاهلها والتي تجعل من الأسد ضحية لفكرة الذهاب حتى النهاية في مواجهته مع شعبه متجاهلا كل النتائج المترتبة عن صلفه وتعنته.
أولاً ـ خلف الرئيس الأسد تقف قيادات عسكرية وأمنية يحركها تفاؤل بالنصر وإرادة قتالية مستميتة ليس بالضرورة حبا بالأسد وإخلا صا له ولكن خوفا على مكتسباتهاومصيرها .برهان غليون قالها بصراحة في حديث مع صحيفة وول ستريت “ لا وجود للعلوين في الجيش وقوى الأمن ” في سورية الجديدة. وعلى هامش هذه الفكرة يمكننا أن نضيف : لو حاول هؤلاء القادة ترجمة مثل هذا الإيمان بالنصروهذه العزيمة على تحقيقه مرة في حياتهم الحرفية أمام جيش اسرائيل لرجع الجولان عربيا سوريا منذ زمن طويل !
تانياًـ عشرة أشهر من صمود النظام المعجزة أمام ” المخططات الأجنبية والسلفيين “ كانت كافية لإذكاء الشعور الطائفي عند العلويين وتعميق الهوة النفسية بينهم وبين بقية أطياف الشعب السوري وخلق عندهم روحا جهادية مستمية ومصممة على المضي قدما حتى الموت أوالنصر. هذا التخندق الواضح وهذا الإيمان بالنصر تقويه وتطمئنه وجود اسطول روسي أمام ميناء طرطوس وآخر ايراني يقوم بمناوراته العسكرية في الخليج من وقت إلى آخر...
ثالثاًـ ان كانت الثورة تراهن على سقوط النظام ، فهذا أمر حتمي ولا مفر منه .ولكن سقوط النظام من وجهة الطائفة المستفبدة منه لايعني نهاية الصراع . عائلة زين العابدين بن علي أوعائلة حسني مبارك لايتعدى عددأفراد كل منهن عددأصابع اليد وكذلك عائلة القذافي ، ولكن عائلة الأسد متجذرة في عشيرة وطائفة لها مطامح سياسية وتاريخية علينا الأخذ بحسبانها. لا ننسي بأن حافظ الأسد ولد وعاش أولى طفولته في ظل دولة علويةمستقلة عن سوريا .والحنين لهذه الدولة يكبر مع تطور الأحداث .
هل يمكننا التكلم عن نظام سوري بعد هذا التهلهل الذي أصابه؟ الإعلام الغربي حتى وقت قريب عندما كان يتكلم عن نظام الأسد كان يصفه بحكم الأقلية العلوية .مازالت هذه التسميه عند السوريين صعبة البلع وقليلة الحشمة والأدب . كون السوريون تجمعهم ميول طبيعية للمواطنة والإلفة على مختلف طوائفهم وقومياتهم. من منا لايملك صاحبين أوثلاثة من الأخوة العلويين نحن السوريون المعارضون؟ هل سنكون محكومين يوما بقتال أخوي أبدي؟
فرنسا ـ بواتتيه